إن من نعم الله العظيمة على عباده نعمة الزواج، وهو من سنن المرسلين، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد: 38].
وقد حث عليه الشارع لما يترتب عليه من مصالح دينية ودنيوية، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج"[1].
وتكثر في هذه الأيام حفلات الزواج، وهذا شيء طيب يبشر بالخير؛ إلا أنه مما ينافي شكر هذه النعمة، وقوع كثير من المخالفات، فمن ذلك:
أولًا: المغالاة في المهور بما لا يطاق، والمشروع أن يكون قليلًا ميسرًا، روى الحاكم في المستدرك من حديث عقبة بن عامر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خير الصداق أيسره"[2]، وقال عمر - رضي الله عنه -: "ألا لا تغالوا صدقة النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله لكان أولاكم بها نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ما علمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نكح شيئًا من نسائه ولا أنكح شيئًا من بناته على أكثر من ثنتي عشرة أوقية"، والأوقية عند أهل العلم أربعون درهمًا وثنتا عشرة أوقيه، هو أربعمئة وثمانون درهمً[3].
وروى مسلم في صحيحه من حديث عائشة أنها سئلت: كم كان صَدَاقِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قالت: ثِنْتَا عَشْرَةَ أُوقِيَّةً ونَشًا.
قالت: أتدري ما النَش؟
قالت: قلت: لا، قالت: نصف أوقية، قالت: نصف أوقية، فتلك خمس مئة درهم، فهذا صداق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأزواجه"[4].
وفي زيادة المهور مفاسد كثيرة من أعظمها تأخر كثير من الرجال والنساء عن الزواج، أو تركه بالكلية، وفي ذلك ما لا يخفى من المفاسد.
ثانيًا: دبلة الخطوبة، حيث يلبس الرجل دبلة تسمى دبلة الخطوبة، وهي عبارة عن خاتم يضعه في يده، وكثير من الناس يعتقد أن العقد مرتبط بهذه الدبلة، خاصة إذا كانت من الذهب، وقد حرم لبس الذهب على الرجال بأدلة كثيرة، منها ما رواه مسلم من حديث ابن عباس - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى خاتمًا من ذهب في يد رجل، فنزعه فطرحه، وقال: لا والله! لا آخذه أبدًا وقد طرحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم[5].
قال الشيخ الألباني: ووضع خاتم الخطوبة في يد العروس من عادات النصارى وقد أمرنا بمخالفتهم[6]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من تشبه بقوم فهو منهم"[7].
ثالثًا: المنصة، وهي جلوس الزوج والزوجة في مكان عال بمرأى من جميع الحاضرات، قال الشيخ ابن باز - رحمه الله -: "ومن المنكرات العظيمة وضع منصة للعروسين أمام الحاضرات من النساء، فينظر الرجل إلى النساء الأجنبيات، وهن بكامل زينتهن، وقد يدخل معه بعض أقارب الزوج أو الزوجة، فيحصل الاختلاط والفتنة"[8].
روى البخاري ومسلم من حديث عقبة بن عامر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إياكم والدخول على النساء"، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: "الحمو الموت"[9]، والحمو قريب الزوج، وفي هذا تحريك للغرائز والشهوات، وما ينتج عن ذلك من فتنة وفساد.
رابعًا: التصوير، وهو من كبائر الذنوب، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن عمر- رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون"[10]، وخاصة إذا كان التصوير للنساء، فإن الفتنة بهن أعظم، وتقوم بعض النساء بتصوير الحاضرات في الحفل وهن بكامل زينتهن، وهذا من أعظم المفاسد، وهل يرضى أحد منا أن تلتقط صورة ابنته أو أخته وتنتشر بين الناس، فإلى الله المشتكى.
خامسًا: إحضار المغنيات ليغنين في حفلات الزواج مع الآلات والمعازف، ولا شك أن هذا من أعظم المنكرات، روى البخاري في صحيحه من حديث أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف"[11]، وإنما أجاز الشارع الضرب بالدف عند النساء بشرط أن لا يصحبه غناء ماجن من قبل النساء.
سادسًا: الإسراف في الولائم، واستئجار الفنادق، وقصور الأفراح بأموال طائلة، فينبغي الاقتصاد في ذلك، وترك الإسراف، قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31].
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامً} [الفرقان: 67].
سابعًا: لبس كثير من النساء في حفلات الزواج اللباس العاري، أو المفتوح، أو الضيق الذي يصف البشرة، أو الخارج عن الحياء، حتى لو كان عند النساء، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة و لا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا"[12].
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - عن حضور الحفلات المشتملة على المنكرات، فقال: حضورها واجب إذا كان الإنسان يستطيع بحضوره أن يغير المنكر، وأما إذا كان لا يستطيع تغييره فإن حضورها منكر محرم عليه، ولا يجوز في ذلك طاعة الوالدين، ولا طاعة الزوج، حتى لو فرض أن الوالد والوالدة إذا لم يحضر الولد من ذكر أو أنثى هذه الحفلات حصل منهم غضب أو زعل، ولا يعد ذلك من العقوق؛ لأن هذا من طاعة الله، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنما الطاعة بالمعروف"[13]، والمنكر لا طاعة فيه لأحد، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق". اه[14].
ثامنًا: السهر حتى ساعة متأخرة من الليل، وربما في بعض الحفلات إلى قرب صلاة الفجر، وهذا يؤدي إلى إضاعة صلاة الفجر، فيحرم المسلم نفسه من الأجر والثواب، ويعرضها لعقوبة الله، قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّ} [مريم: 59].
روى مسلم في صحيحه من حديث جندب بن عبد الله: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فإن من يطلبه من ذمته بشيء يدركه، ثم يكبه على وجهه في نار جهنم"[15].
تاسعًا: من المنكرات التي ترتكب بمناسبة الزواج ذهاب الزوجين بعد زواجهما إلى بلاد الكفار، أو بلاد أخرى تماثلها في الفساد لقضاء شهر العسل زعموا، وفي ذلك مخالفة صريحة لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم، فقد روى الترمذي من حديث جرير بن عبد الله: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين، لا تراءى نارهما"[16].
وما ينتج عن ذلك السفر من مفاسد، وخلع للحجاب، واختلاط المرأة بالأجانب، وذهاب إلى أماكن اللهو والفساد، وغير ذلك من المفاسد.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] صحيح البخاري برقم (5065) وصحيح مسلم برقم (1400).
[2] (2/537) برقم (2796) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وابن حبان في صحيحه برقم (4083).
[3] سنن الترمذي برقم (1114) وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
[4] برقم (1426).
[5] برقم (2090).
[6] انظر: آداب الزفاف (ص 212-213).
[7] سبق تخريجه.
[8] انظر: التبرج وخطره، رسالة صغيرة للشيخ عبد العزيز بن باز.
[9] البخاري برقم (5232)، ومسلم برقم (2172).
[10] (6/23) برقم (3558) وقال محققوه: إسناده صحيح.
[11] سبق تخريجه.
[12] برقم (2128).
[13] صحيح البخاري برقم (4340)، وصحيح مسلم برقم (1840).
[14] هذه الفتوى عليها توقيع الشيخ – رحمه الله - بتاريخ 16/9/1409هـ.
[15] برقم (675).
[16] سنن الترمذي برقم (1604) وصححه الألباني في إرواء الغليل (5/29) برقم (1207).
الكاتب: د. أمين الشقاوي
المصدر: موقع إسلام ويب